نظم الأديب النحوي أبو محمَّد القاسم بن علي الحريري أبواب علم النحو في منظومة يسيرة متقنة طريفة، نافت على ثلاث مئة وسبعين بيتاً، وسمَّاها: «ملحة الإعراب وسنخة الآداب»، وكان ذلك تلبيةً لطلب أبي الفتح ابن التلميذ؛ أن ينظم في النحو مختصراً يحفظه المبتدئون، ولم يقف الحريري عند نظمها فحسب، بل تجاوز ذلك إلى شرحها شرحاً موجزاً دقيقاً، وخيرُ شارحٍ للكلامِ قائلُه.
وقد كتب الله سبحانه لهذه «الملحة» أن تنتشرَ بين الناس، ويتلقَّاها علماؤهم بالقَبول، حتى زادوا عليها بالشرح والتعليق، والتحشية والتدقيق، فكان منهم: بدر الدين ابن الناظم (686۔ھ)، وابن الصائغ (720۔ھ) فيما سمَّاه: «اللمحة»، والجلال السيوطي (911۔ھ)، والجمال الفاكهي (972۔ھ)، وابن دعسين (1006۔ھ)، وغيرهم كثير، رحمهم الله تعالى أجمعين.
ومن أبرز من شرح هذا النظم شرحاً مميَّزاً مختصراً، مُدقَّقاً محرَّراً، مُهذَّباً مُنقَّحاً، جرى عليه الفِكرُ مرَّةً بعد أخرى، وجال فيه الذهن والنظر طَوراً فطَوراً، حتى اطمأنَّ إليه العقل، واستراحَ له البال.. الإمام العلامة محمَّد بن عمر، المعروف ببحرق، علامة حضرموت في عصره، شرحٌ نظرَ فيه صاحبه إلى «شرح الناظم الحريري» على «ملحته»، فاختصره وهذَّبه، وضمَّنه في كتابه، ورأى أن يضمَّ إليه فوائد جمَّة، وزوائد مهمَّة، أغنَتِ الكتابَ، وجمعَتْ ما تفرَّق منه، وألحقَتِ النظير بالنظير، وربطَتْ أطراف النظم ربطاً مُحكَماً.
اقتصر الشارح بحرق رحمه الله في «شرحه» هذا على حلِّ عبارات المنظومة، وإيراد أمثلتها وإشاراتها، والتعليق عليها، وتفسير الغريب من لغاتها وتبيينها، وإيضاح المشكل من إعراب بعض كلماتها.
كلُّ ذلك مسبوكٌ بلغةٍ سهلةٍ، قريبةٍ إلى الإيجاز والاختصار، بعيدةٍ عن التطويل والإسهاب، دانيةٍ إلى الأفهام، ظاهرةٍ للخاصِّ والعامِّ؛ ليكون هذا الكتاب بحقٍّ - كما قال فيه صاحبُه - تبصرةً للطالب المبتدي، وتذكرةً للراغب المهتدي.
وكان مِن فضل الله تعالى وجوده: أن منَّ بتحقيق هذا الكتاب في دار المنهاج، بالاعتماد على نُسَخ مخطوطةٍ نفيسةٍ، خصوصاً النُّسخة التي كُتبت في زمن الشارح بحرق رحمه الله، فنسأل الله سبحانه القَبول والنفع، ودوام التوفيق، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.
والحمد لله رب العالمين